شهدت العقود الأخيرة احتدام المنافسة بين الشركات العالمية وذلك في سياق التسابق المحموم نحو الهيمنة على حصة معتبرة من السوق العالمي. من هنا، أصبحت الحاجة إلى برامج إدارة الجودة جد ملحة، فظهرت منهجية ستة سيجما التي أصبحت من بين أشهر برامج إدارة الجودة، وتعتمد عليها كبريات الشركات لرفع جودة المنتجات لإرضاء العملاء. فما المقصود بمعايير ستة سيجما وكيف يمكن توظيفها لمواجهة المشكلات التي تؤثر على رواد الأعمال؟
مفهوم ستة سيجما
ستة سيجما عبارة عن استراتيجية وخطة عمل موضوعية ومضبوطة، تعتمد في عملها على جمع وتحليل البيانات بغية القضاء على العيوب، فالهدف الرئيسي لهذه المنهجية هو معرفة العيوب وتحديدها بكل دقة مما يُمكّن من حلها وتجنبها، وبالتالي حسن إدارة العلامات التجارية وتحقيق أقصى درجات إرضاء الزبون.
من وجهة النظر الفنية، يمكن القول إن ستة سيجما عبارة عن مستوى تشغيل لا يتعدى فيه احتمال الخطأ معدل 3.4 خطأ في كل مليون. والخطأ هنا، هو كل انحراف في المنتج أو الخدمة أو العملية الإنتاجية والبيعية عن متطلبات الزبون، بمعنى أدق كل ما من شأنه أن يثير حالة عدم رضا العميل تجاه ما قُدم إليه.
الحرف اليوناني “سيجما σ” مصطلح إحصائي، يقيس مدى انحراف عملية معينة عن الكمال. يُعرف سيجما أيضًا باسم الانحراف المعياري للعملية عن وسطها. تتيح عملية ستة سيجما للمؤسسة قياس عدد “العيوب” في العملية، وطرق القضاء عليها والاقتراب من “العيوب الصفرية” قدر الإمكان.
تاريخ ستة سيجما
ترجع جذور مبادئ تعزيز الجودة وتحسين المنتجات إلى بدايات القرن العشرين، إذ بدأت تظهر العديد من الأفكار والاجتهادات الرامية إلى تحسين جودة المنتجات للتقليل من نسب الهدر. وقد كانت أولى المبادرات الهادفة إلى تحسين الجودة تلك التي قامت بها شركة “موتورولا” للرفع من جودة منتجاتها وتخفيض تكاليف الإنتاج، وذلك سعيًا منها إلى تخفيض نسبة العيوب الواردة في المنتجات لتصل إلى صفر تقريبًا في غضون خمس سنوات.
وقد شكل ذلك بداية تطبيق 6 سيجما بشكل فعلي بوصفها منهجية مهمة لتحسين الجودة. بعد ذلك، توالت عمليات تبني 6 سيجما كمنهجية لحل وتطوير الأعمال التجارية، وبفضل النتائج المحققة تطوّر استخدام معايير سيغما الستة ليشمل مجالات أخرى إلى جانب قطاع التصنيع، والتعليم، والرعاية الصحية.
علاقة سيجما الستة بالجودة
يشكل ظهور العيوب في المنتجات تهديدًا حقيقيًا لسمعة الشركات إذ يكلفها خسائر بملايين الدولارات، علاوة على تضرر علاماتها التجارية. ونستحضر هنا، مثال انفجار بطارية هواتف سامسونج الأمر الذي دفعها إلى سحب نحو مليون هاتف من طراز جالاكسي نوت 7 بعد توالي حوادث انفجار بطارية هذا الطراز، مما جعل مسار نجاح الشركات محفوفًا بالمخاطر.
من هذا المنطلق، تظهر أهمية ادارة الجودة عبر استراتيجية ستة سيجما لأنها بكل بساطة تفرض العديد من المعايير الصارمة التي يجب احترامها في كل مرحلة من مراحل سلسلة الإنتاج، مع الحرص على التخلي عن العمليات غير المجدية التي يمكن تركها دون تأثير سلبي. احترام هذا المنهج وتطبيقه بكل صرامة وموضوعية سيضمن الحصول على أفضل النتائج للشركات والعملاء على حدٍ سواء، وهو ما يعزز مستويات الجودة وبالتالي الرفع من حجم الوفاء للعلامة التجارية.
فوائد تطبيق معايير سيغما الستة
1. تحسين ولاء العملاء
تسعى كل المؤسسات إلى الاحتفاظ بولاء عملائها، وبالطبع لا يتحقق ذلك إلا عبر المستويات العالية من الجودة التي يشكل غيابها السبب الأول لفقدان ولاء العملاء. وهنا تتضح أهمية ستة سيجما إذ يقلل تطبيقها من مخاطر الحصول على عملاء غير راضيين، فهي تساعد في إجراء دراسات عن العملاء تساهم في تحديد السمات الأساسية لنيل رضاهم.
2. إدارة الوقت
استخدام منهجية معايير سيغما الستة سيكون له آثار إيجابية على إدارة الوقت والتحكم في إدارة المهام بكل فعالية، هو ما يزيد من أداء و إنتاجية الموظفين، إذ يصبح من الممكن استغلال الوقت بحكمة أكبر. من جهة أخرى يمكن لفرق 6 سيجما داخل الشركات أن تقلص من وقت دورة العمل عبر تحديد المشاكل و العقبات التي من شأنها إطالة عمر دورة العمل.
3. تحفيز الموظفين
يقترن تطوير أداء العاملين بمدى توفر عوامل التحفيز التي من شأنها تشجيعهم على العطاء بشكل أفضل، وبالفعل فإن أدوات حل المشكلات التي توفرها سيجما ستة تسمح بتطوير الموظفين وخلق ظروف وإنشاء أنظمة من شأنها تحفيز الموظفين على القيام بالمهام الموكلة إليهم.
4. ضمان الامتثال وتقليل المخاطر والقضاء على العيوب
تتطلب ستة سيجما معايير عالية الجودة. لهذا السبب، يطبق عدد كبير من البائعين والموردين والمؤسسات الرقابية معايير ستة سيجما عند تقييم المنتجات أو الحسابات. وهو ما يفرض على مختلف الشركات الامتثال للمعايير الدولية للجودة. تسم معايير سيغما الستة بتقليص نسبة الهدر التي تنتج بسبب ارتفاع نسبة العيوب.
5. عوائد أعلى وتكاليف أقل
زيادة مقدار الأرباح أمر بالغ الأهمية، يسمح 6 سيجما لأصحاب الأعمال إلقاء نظرة أعمق على عملياتهم، واتخاذ قرارات حكيمة تستند إلى الحقائق، وعادةً ما تؤدي إلى تحسين الجودة وتعظيم الأرباح. فكلما زادت جودة منتجاتك وخدماتك، ارتفع حجم أرباحك.
مراحل تطبيق معايير سيجما الستة
يمكن حساب مستوى سيغما عبر إحصاء عدد الأخطاء والعيوب الموجودة فيما يقدَّم للعميل من منتجات أو خدمات، ويحدد هذا المستوى على أساس عدد من العيوب أو الأخطاء الواقعة في كل مليون منتج أو خدمة. تفرض تطبيق معايير سيغما الستة احترام منهجيتها الواضحة القائمة على الخطوات الخمس التالية:
- التعريف: ما المشكلة التي تريد حلها؟ مرحلة التعريف هي المرحلة الأولى من عملية التحسين. في هذه المرحلة، يعمل فريق المشروع على حصر ومعرفة المشكلات والعيوب التي تمت مواجهتها.
- القياس: خلال هذه المرحلة يكون التركيز منصبًا على جمع البيانات ذات الصلة بنطاق المشروع. تشمل خطة جمع البيانات ماهية البيانات التي ستجمع مع توضيح مَنْ يجمعها ومتى تجمع. بعد جمع البيانات، تأتي مرحلة تحليلها للتأكد من طبيعتها.
- التحليل: يتم التركيز خلال مرحلة القياس على تحديد السبب الرئيسي والجذري الذي يقف وراء حدوث الأخطاء والعيوب المرصودة. وبعد القيام بالتفكير في كل الاحتمالات الممكنة، ننتقل إلى تمحيص الفرضيات والتحقق من مدى مصداقيتها، كل هذا من أجل الوصول إلى معرفة وتحديد السبب أو الأسباب الرئيسة الكامنة وراء حدوث العيوب المؤثرة على إنجاز الأعمال.
- التطوير: تعمل هذه المرحلة على تحسين العملية من خلال تحديد الحلول المحتملة وطرق تنفيذها واختبارها وتنفيذها من أجل التحسين. وذلك في إطار السعي إلى التقليل من حجم المخاطر والاستجابة إلى تطلعات العملاء لتعزيز حجم الرضا من طرفهم. وبعد وضع برنامج التحسين يتم الشروع الفوري في عملية التنزيل، حيث يتم تنفيذ الإجراءات التي المختارة قصد اختبار فعاليتها.
- التحكم: خلال هذه المرحلة، تقيّم نتائج ما بعد التنفيذ للتأكد من التقدم، مع إدخال التغييرات إن وجدت. الهدف الرئيسي من هذه المرحلة هو مراقبة الحلول بما يضمن الحفاظ على الأداء المطلوب. عبر التحقق من صحة الإجراءات وتطويرها، إضافة إلى التحقق من الفوائد ونمو الأرباح. بالتالي، فإن الهدف المحوري من مرحلة التحكم هو التأكد من إمكانية الاحتفاظ بالمكاسب.
مثال عملي على معايير سيجما الستة
تعمل إحدى الشركات في مجال صناعة الأجهزة الإلكترونية والكهربائية المنزلية، غير أنها سجلت انخفاضًا ملحوظًا في حجم مبيعات أجهزة التلفاز التابعة لها دون وجود تفسير واضح لهذا التراجع، لتقرر الشركة بعدها تطبيق معايير ستة سيجما والتي كانت على الشكل التالي:
- الخطوة الأولى: يشرع فريق البحث المكلف في محاولة التعريف بالمشكلة ثم العمل على وضع الاحتمالات الممكنة لحدوث مشكلة التراجع في المبيعات دون أسباب واضحة. خلصت الأبحاث إلى تحديد الاحتمالات التالية: ضعف الجودة، فشل التسويق بطريقة ناجعة، عطب خفي، تَشكّل موقف سلبي من طرف العملاء، وجود منافسة قوية.
- الخطوة الثانية: قياس هذه الاحتمالات عبر العمل على البحث في كل احتمال للتأكد من وجوده وتحديد حجم تأثيره.
- الخطوة الثالثة: الشروع في تحليل النتائج التي تم التوصل إليها بعد إتمام الخطوات السابقة وهو ما يسمح في النهاية بتحديد السبب أو الأسباب الحقيقية المسؤولة عن حدوث هذا العيب (تراجع المبيعات).
- الخطوة الرابعة: الشروع في عملية التحسين بعد وضع البرنامج المناسب لذلك مما سيسمح بحل المشكل الذي واجهته الشركة بخصوص تراجع مبيعات أجهزة التلفاز
- الخطوة الخامسة: مراقبة تنزيل برنامج التحسين وتتبع فاعليته وقدرته على تجاوز المشكلة المطروح، إلى جانب السعي إلى الحفاظ على النتائج الإيجابية المحققة ومحاولة تجنب تكرار مثل هذا العيب مستقبلًا .